أخبار

جمال الدين بن سعد سفير الإخاء والحرية بين يدي الصحافة والدبلوماسية

جمال الدين بن سعد رجل عبر سماء الحياة كشهاب مشتعل بالطموح والإقدام، كسهم مبرق بالتحدي والثقة، ليبقى نجما خالدا في سجل رجال الإعلام والدبلوماسية الجزائرية، يضيء لجينه كلما حل له تذكار، ابن ضاحية فيض البطمة مع أن أرض الجزائر العاصمة هي التي التقطته سابع أيام شهر أفريل العام 1940.

ومع أن ابن الفيض شب قرب البحر، وركضت طفولته في سهول الساحل الأخضر إلا أن دمه الذي ظل معطرا بأريج السهوب المشمسة. وهب جسده السمرة والعنفوان وملامح ذات خصوصية يمكن تمييزه بها ابنا للجلفة، لجنوبها بالتحديد. كانت عائلته مقيمة في القصبة حيث عمل والده مدرسا للقرآن الكريم ثم إماما للعديد من مساجد الجزائر العاصمة، إذ تقاعد قبل وفاته من مسجد السفير بأعالي العاصمة.

تفتحت ملكات الفتى جمال الدين بن سعد ثم أطلقت في الحياة حرة، على يد والده الذي لقنه مبادئ اللغة والقرآن، ثم صادفته ظروف البلاد المرة وهي تحت نير الاحتلال الفرنسي، فغادر مقاعد الثانوية واختار النضال أولا وعمره ثمانية عشر سنة. في الولاية التاريخية الثانية جمعه العمل الثوري بالمجاهد إبراهيم شيبوط الذي أصبح وزير المجاهدين فيما بعد، و المجاهدة نسيمة مقدم. و تقلد رتبة عريف في صفوف جيش التحرير الوطني.

ألفاه الاستقلال شابا في العقد الثاني من العمر، وإذ انقضت معركة التحرير لتنطلق معركة البناء، وضع جمال الدين بن سعد السلاح والتقط القلم لتكون الكلمة هي هديته النضالية لجزائر المستقبل الحرة.

الصحافة بالنسبة لجمال الدين بن سعد عمل له تقاليد متعارف عليها وينبغي حذوها مع وجود هامش للابداع وحرية الآداء، والصحافة بالنسبة إليه أيضا نضال وآفاق، لذلك لم يكن في عمله صحفيا بوكالة الأنباء الجزائرية عام 1963 عبدا للخبر المجرد وحسب بل تجاوزه ليلج العمل الدبلوماسي من خلال البعثة الجزائرية للأمم المتحدة، حيث اشتغل في القسم الإعلامي رفقة بن يوسف بابا علي الذي كان مديرا لوكالة الأنباء الجزائرية ثم سفيرا للجزائر بالسويد فيما بعد. مع العلم أن جمال الدين بن سعد كان عضوا مؤسسا لاتحاد الصحفيين الجزائريين منذ 1964 .

في الولايات المتحدة الأمريكية اكتشف ضفة أخرى للحياة والعمل، و أشرقت له آفاق لم تكن بأقل من استعدادات روحه التواقة من ضفاف البحر الأبيض المتوسط، وكان قدره أن يمكث هناك عشر سنوات حيث عمل مع كل من عبد العزيز بوتفليقة  وزير الخارجية آنذاك وعبد القادر مساهل،و التقى كبار المحررين في العالم وكتب في الهيرالد تريبيون و وال ستريت جورنال، كما حاز على شهادة التمكن في اللغة الانجليزية من الأمم المتحدة عام 1967 . و كان مراسلا لجريدتي  AFRIQUE ASIEو  JEUNE AFRIQUE ، و كنتيجة طبيعية لهذا العمل، و بحكم طبيعة الرجل الفعالة و المتفتحة، ربطته العديد من الصداقات مع أمناء عامين للأمم المتحدة ورؤساء دول ووزراء خارجية، و على إثر ذلك رحب به عضوا منظما رسميا لمؤتمر القمة الخامسة لمنظمة الوحدة الأفريقية المنعقدة بالجزائر شهر سبتمبر 1968، وكان مؤسسا وعضوا نشطا في نادي الصداقة الجزائري الفرنسي.

بعدما استنفذ التحمس للعمل الصحفي منه سنوات في الولايات المتحدة عاد للعمل في الصحف الجزائرية : ALGERIE ACTUALITE  وl ‘HORIZON  و ELMOUDJAHID، ليمارس ويورث للأجيال مهنية واحترافية صقلتها سنوات غربته في العالم الجديد.

يمكن القول إن جمال الدين بن سعد احترف في حياته العملية الصحافة النضالية، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، كانت له قدرة غريبة ومدهشة على صناعة الخبر، على خلق الخبر من لا شيء أو تقزيم قضية إعلامية ذات شأن. وخلال تواجده على خشبة المسرح الديبلوماسي، كرس قلمه من أجل السلام والصداقة في العالم وتجاوز الأحقاد، كتب ضد التمييز العنصري وعن إفريقيا الجنوبية ومحنتها ضد الأبارتيد، ودعم تطلعات الشعوب المغلوبة نحو الحرية. وقد ربطته صداقة متينة مع مناضلين من جنوب إفريقيا أبرزهم ويليام تامبو، والذي كان يروق له تسميته في كتاباته: وليام الجزائري.

إن أقل تقدير وعرفان في حق الرجل من قبل الدارسين والمهتمين، خاصة من أبناء الجلفة هو أن تجمع مقالات جمال الدين بن سعد الصحفي في كتاب أو تدرس في مذكرة تخرج، وتجمع أيضا مواقف الرجل الدبلوماسية في كتاب آخر، وبالنسبة للدارسين التاريخيين يمكن توثيق حقبة مهمة مليئة بالأحداث والمواقف من تاريخ الجزائر في مجال السياسة الخارجية من خلال حياة الرجل.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى