وصل اللهمّ وبارك على نبيّك الكريم…صلى الله عليه وسلم…
في جلسة مميّزة ومشاركة ثرية وراقية تمّ بحمد الله هذا الصّباح السبت 15 ربيع الأوّل 1442هـ الموافق لـ 31 أكتوبر2020م تنشيط العدد الثالث من “ندوات السّرد” بالتّنسيق مع “مكتبة المطالعة العمومية نورة بن يعقوب” بحاسي بحبح، ومكتبة المطالعة العموميّة مالك بن نبي بأمّ البواقي، وبحضور نخبة من الكتّاب والأدباء والشّعراء والدكاترة والأساتذة والأستاذات من مختلف القطاعات العلمية والثّقافية والتربوية وكذا مشاركات عبر خط البث المباشر المفتوح إلى الأصدقاء والمتابعين لـ”ندوة السّرد”…
في المستهل كان لابد من طرح جملة من الأسئلة والتّعليق على موقف الأمّة الإسلامية في العالم، عربا وعجما مما يحدث وتتعرّض له من إهانات وشتم في حقّ الرّسول – صلى الله عليه وسلم – وما يعانيه المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها تحت مسميات مفتريتة وقوانين جائرة، وقد تزامن الحدث مع ذكرى المولد النّبوي الشّريف،غير أنّ الاحتفاء به في هذه الجلسة جاء تكريما لنبيّ الرّحمة بما فضّله الله به عن العالمين والأنبياء والمرسلين والإضافات التي مكّنت البشريّة من التخلّص من ربقة الجهل والظلم والاستعباد والطغيان، لذا فضّلت النّدوة أن تبحث في سيرته من خلال ما كتبه القدامى والمحدثون وما عبّروا عن هؤلاء من إعجاب وانبهار في شخصه العظيم والرّسالة التي جاء بها للنّاس كافّة، فإذا كان حديث الفقهاء والمفسّرين الذين أولوا خاصا بحياته شرحا وتأويلا وتشريعا، فقد كتب في الموضوع نفسه ولكن بكثير من الإبداع والإعجاب أيضا بأسلوب أدبي مبهر فيه من الإضافات التّربوية والأخلاقية والحضارية ما جعلته يكسب مكانة عالية في الوسط الأدبي شخصية محورية نموذجية، فقد اشتغل على سيرته في العصر الحديث كناب وفلاسفة وأدباء عظام اعترفوا بقوّته الإنسانية وشموليّة رسالته وعمق خطابه الدّيني والتّربوي.
عشرات الأدباء والكتّاب من بيئات غربيّة مختلفة، تناولوا حياته بصدق واعترفوا بحكمته وبصدق نبوّته ضمن كتاباتهم الرّوائية والشّعرية والسّردية بشكل عام، كما فعل ذلك تولستوي وجيته والّشاعر الفرنسي لامارتين الذي قال فيه:
“أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة رسول الله محمد دراسة واعية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود، ومن ذا الذي يجرؤ على تشبيه رجل من رجال التاريخ بمحمد ؟! ومن هو الرجل الذي ظهر أعظم منه ، عند النظر إلى جميع المقاييس التي تُقاس بها عظمة الإنسان؟!
إن سلوكه عند النّصر وطموحه الذي كان مكرّساً لتبليغ الرسالة وصلواته الطويلة وحواره السماوي هذه كلها تدل على إيمان كامل مكّنه من إرساء أركان العقيدة .
إن الرسول والخطيب والمشرع والفاتح ومصلح العقائد الأخرى الذي أسّس عبادة غير قائمة على تقديس الصور هو محمد، لقد هدم الرسول المعتقدات التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق”.
بينما الشيخ والأديب الجزائري البشير الإبراهيمي وهو رجل إصلاح أيضا قد تشبّع بسيرة الرّسول – صلى الله عليه وسلم – وأطلق العنان لقلمه الفكري والأدبي بلغة راقية لا يشوبها افتتان غربي أو زلل انفتاحي مشوّه، فكان منهجه في الحديث عن النبيّ من مصادر حقيقية ومراجع موثوقة ردّا على الاحتلال الفرنسي الغاشم بالأمس واليوم، بحيث حذّر في خطابه الموجّه إلى الشّباب والمثقّفين العرب والجزائريين، ما كان يسعى إليه المستدمر من هدم للمجتمع الجزائري ومسخ شخصيّته وفصله عن هويّته ومقوّماته، فكانت صورة الرّسول – صلى الله عليه وسلم – في خطابه الموجّه حاضرة دوما في كتاباته وردوده ومواقفه الصّارمة، فما كتبه ثم جمع في آثاره جلّه بهذا المنهج.
بينما ينشغل الأديب والمفكّر الحضاري عبّاس محمود العقّاد بشخص الرّسول برجوعه إلى ما قيل فيه عند العرب والعجم، قديما وحديثا محلّلا أيامه صغيرا وكبيرا معتبرا سيرته مفاتيح متجدّدة يفتح بها مغاليق حياة البشر في نظامها الأبوي والسياسي والعسكري والتربوي والنّفسي وغيرها، ولعلّ كتابه الشّهير”العبقريات” من أروع ما كتب في هذا الصدّد وردّا مفحما على كثير من المتحذلقين كما يقول هو في مقدّمة هذا كتاب، وغيره من العبقريات التي تخصّ كثيرا من الخلفاء والصّحابة…رضوان الله عنهم…ولا يختلف عنه كثيرا توفيق الحكيم في كتابه الذي مدحه الأديب والمفكّر الإسلامي الكبير مصطفى صادق الرّافعي “محمّد رسول الله – مسرحيته المميّزة” قراءتها لا تملّ، فقد لعبت دورا كبيرا في ترجمة حياة الرّسول – صلى الله عليه وسلم – بصدق وواقعية معتمدا في ذلك على مصادر ومراجع موثوقة…بأسوب سّردي اجتماعي وتاريخي وفنّي…جمع فيها مشاهد عظيمة من يوميات الرّسول – صلى الله عليه وسلم – وهو يؤسّس للمدينة الجديدة ويرسي قواعدها الكثيرة والشّاملة كما نصّ عليها القرآن الكريم والحديث النّبوي الشّريف، معاملة وعبادة.