تمّ بحمد الله تنشيط الجلسة الأولى من ندوات السّرد في طبعتها الخامسة الموسومة بـ :
تحقيق الكتاب العربي المخطوط بين قراءات المستشرقين وإضافات الأكاديميين العرب
بحضور أساتذة وكتّاب
الأستاذ بن يوسف خذير
الأستاذ أحمد مساوي
الأستاذ بختي ضيف الله
– إنّ الحديث عن تحقيق المخطوطات وارتباطه بالتّراث ومنه إلى المستشرقين يتطلّب الوقوف عند كثير من الحقائق، العلميّة والتّاريخيّة والفكريّة واللّغويّة.
فقد انشغل الإنسان القديم في بدايات التّوثيق الشّفهي الاستعانة بالحفريات وأوراق الأشجار وسعف النّخيل وغيرها…ونقش كلّ ما يمكن تخليده بالرّموز أو الحروف أو الأشكال، إلى أن وصل ذهنه إلى مرحلة راقية من التّفكير وتمكّنه من معرفة أسباب البقاء والرّقي والتّواصل مع الأجيال…فالكتابة ارتقت إلى لغة تصيغها الحروف والكلمات والجمل والتّراكيب بانتظام، واستطاع العرب أن يتجاوزوا كثيرا من الصّعوبات التي اعترضت سبيل القراءة والكتابة والبحث في بداياتها، مثل أشكال الحروف منفردة وملتصقة، معجمة ومشكولة، وكذا تجاورها وتباعدها، ما يعني أنّ التّفكير اللّغوي قديم عند العرب، من هنا كان لابد من تعميق البحث فيها أوّلا ثمّ توظيفها…ناضجة ومنتظمة كما سنّتها القواعد وأصبحت نظاما يطمأنّ إليه وتثق فيه العقول والنّفوس…ولمّا ظهر الكتاب كمرحلة أكثر نضجا في التّعامل مع الكتابة ونقل الأفكار والمشاعر والتّجارب والعلوم فكان لابدّ من التّحقّق في كلّ ما ينسب إلى هذا العَلم أو ذاك من النّساء والرّجال، عربا وعجما، قديما وحديثا، باعتباره وسيلة أكثر أمانا وحفظا لما ينجزه الإنسان، خاطئا وصائبا…
فما وصل إلينا من التّراث، ومنذ أقدم العصور أصبح محلّ دراسة وتحقيق، وقد أثّرت الحضارات القديمة في رقيّها وسقوطها على المنجز العربي، بمختلف علومه، الطّبيعيّة والإنسانيّة، وما تسبّب فيه الإنسان نفسه، كالاحتلال والتّوسّع وغيرها، فدمّر الكثير وأحرق آلاف المكتبات وهرّبت عشرات الآلاف من الكتب العربيّة والإسلاميّة، ونشأت بموجب ذلك مؤسّسات غير عربيّة، تولّت جمعها وقراءتها والتّحقيق فيها، ولعلّ ظاهر الاستشراق أحد الأساليب الجديدة في العصر الحديث التي ترجمت التّراث العربي وتمّت عمليّة تخريج نصوصه وفق منظار غربي ومناهج فلسفيّة متباعدة ومتضاربة، فتشكّلت مدارس أجنبيّة وعربيّة، يتّبع كل منها هذا المنهج أو ذاك؛ ولكنّ السّؤال المطروح: ما مفهوم التّحقيق، من الذي اهتدى أوّلا إليه ثم يصبح علما…؟ أهو عربيّ المنبت أم أجنبي، كما تذكر بعض الكتب في تاريخ التّحقيق…؟